فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل تيماء وأريحاء، وذلك بكفرهم ونقض عهدهم.
وأما الحشر الثاني: فحشرهم قرب القيامة.
قال قتادة: تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، تَبِيت معهم حيث باتوا، وتَقِيل معهم حيث قالوا، وتأكل منهم من تخلّف.
وهذا ثابت في الصحيح، وقد ذكرناه في (كتاب التذكرة).
ونحوه روى ابن وهب عن مالك قال: قلت لمالك هو جلاؤهم من ديارهم؟ فقال لي: الحشر يوم القيامة حشر اليهود.
قال: وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى خيبر حين سئلوا عن المال فكتموه؛ فاستحلهم بذلك.
قال ابن العربيّ: للحشر أوّل ووسط وآخر؛ فالأول إجلاء بني النضير، والأوسط إجلاء خيبر، والآخر حشر يوم القيامة.
وعن الحسن: هم بنو قُرَيظة.
وخالفه بقية المفسرين وقالوا: بنو قُرَيظة ما حُشروا ولكنهم قتلوا.
حكاه الثعلبي.
الثالثة: قال إلكيا الطبريّ: ومصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن، وإنما كان ذلك في أوّل الإسلام ثم نُسخ.
والآن فلابد من قتالهم أو سَبْيهم أو ضرب الجِزية عليهم.
قوله تعالى: {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ} يريد لعظم أمر اليهود ومنعتهم وقوّتهم في صدور المسلمين، واجتماع كلمتهم.
{وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم} قيل: هي الوَطيح والنَّطاة والسُّلالم والكَتيبة.
{مِّنَ الله} أي من أمره.
وكانوا أهل حَلْقة أي سلاح كثير وحصون منيعة؛ فلم يمنعهم شيء منها.
{فَأَتَاهُمُ الله} أي أمره وعذابه.
{مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} أي لم يظنوا.
وقيل: من حيث لم يعلموا.
وقيل: {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} بقتل كعب بن الأشرف؛ قاله ابن جُريج والسُّدّي وأبو صالح.
قوله تعالى: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} بقتل سيدهم كعب بن الأشرف؛ وكان الذي قتله هو محمد بن مَسْلمة، وأبو نائلة سِلْكان بن سلامة بن وَقْش وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة وعبّاد بن بِشر بن وَقْش، والحارث بن أوْس بن معاذ، وأبو عَبْس بن جبر.
وخبره مشهور في السيرة.
وفي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نُصِرتُ بالرُّعب بين يدَيْ مسيرةِ شهر» فكيف لا يُنصر به مسيرة ميل من المدينة إلى محلة بني النضير.
وهذه خصِّيصَى لمحمد صلى الله عليه وسلم دون غيره.
قوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} قراءة العامة بالتخفيف من أخرب؛ أي يهدمون.
وقرأ السُّلمِي والحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية وقتادة وأبو عمرو {يخرِّبون} بالتشديد من التخريب.
قال أبو عمرو: إنما اخترت التشديد لأن الإخراب تركُ الشيء خرابًا بغير ساكن، وبنو النَّضير لم يتركوها خرابًا وإنما خرّبوها بالهدم؛ يؤيده قوله تعالى: {بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين}.
وقال آخرون: التخريب والإخراب بمعنى واحد، والتشديد بمعنى التكثير.
وحكى سيبويه: أن معنى فعّلت وأفعلت يتعاقبان؛ نحو أخربته وخرّبته وأفرحته وفرّحته.
واختار أبو عبيد وأبو حاتم الأولى.
قال قتادة والضحاك: كان المؤمنون يخرّبون من خارج ليدخلوا، واليهود يُخرّبون من داخل ليبنُوا به ما خُرِّب من حِصْنهم.
فروي أنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يكونوا عليه ولا له؛ فلما ظهر يومَ بَدْر قالوا: هو النبيّ الذي نُعِت في التوراة، فلا تُردّ له راية.
فلما هُزِم المسلمون يوم أحُد ارتابوا ونكثوا، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبًا إلى مكة، فحالفوا عليه قريشًا عند الكعبة، فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصاري فقتل كَعْبًا غِيلةً ثم صبّحهم بالكتائب؛ فقال لهم: اخرجوا من المدينة.
فقالوا: الموت أحبّ إلينا من ذلك؛ فتنادَوا بالحرب.
وقيل: استمهلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ليتجهزوا للخروج، فدسّ إليهم عبدُ الله ابن أُبَيّ المنافق وأصحابه لا تخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم، ولئن أُخرِجتم لنخرجنّ معكم.
فدُرِّبُوا على الأزقة وحصّنوها إحدى وعشرين ليلةً، فلما قذف الله في قلوبهم الرُّعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح؛ فأبى عليهم إلا الجلاء؛ على ما يأتي بيانه.
وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير: لما صالحهم النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلّت الإبل؛ كانوا يستحسنون الخشبة والعمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرِّب المؤمنون باقيها.
وعن ابن زيد أيضًا: كانوا يخرّبونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم.
وقال ابن عباس: كانوا كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع موضع القتال، وهم ينقبون دورهم من أدبارها إلى التي بعدها ليتحصّنوا فيها، ويرموا بالتي أخرجوا منها المسلمين.
وقيل: ليسدّوا بها أزِقّتهم.
وقال عكرمة {بِأَيْدِيهِمْ} في إخراب دواخلها وما فيها لئلا يأخذه المسلمون.
وبـ {أيْدي المؤْمنين} في إخراب ظاهرها ليصلُوا بذلك إليهم.
قال عكرمة: كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها فخربوها من داخل وخربها المسلمون من خارج.
وقيل: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} بنقض المواعدة {وَأَيْدِي المؤمنين} بالمقاتلة؛ قاله الزهري أيضًا.
وقال أبو عمرو بن العلاء {بِأَيْدِيهِمْ} في تركهم لها.
وبـ {وَأَيْدِي المؤمنين} في إجلائهم عنها.
قال ابن العربيّ: التناول للإفساد إذا كان باليد كان حقيقة، وإذا كان بنقض العهد كان مجازًا؛ إلا أنّ قول الزهري في المجاز أمْثل من قول أبي عمرو بن العلاء.
قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} أي اتعظوا يا أصحاب العقول والألباب وقيل: يا من عاين ذلك ببصره؛ فهو جمع للبصر.
ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحصون من الله فأنزلهم الله منها.
ومن وجوهه: أنه سلط عليهم من كان ينصرهم.
ومن وجوهه أيضًا: أنهم هدموا أموالهم بأيديهم.
ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه.
وفي الأمثال الصحيحة: (السَّعيد من وُعِظ بغيره).
قوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء} أي لولا أنه قضى أنه سَيُجْليهم عن دارهم، وأنهم يبقون مدة فيؤمن بعضهم ويولد لهم من يؤمن.
{لَعَذَّبَهُمْ فِي الدنيا} أي بالقتل والسَّبي كما فعل ببني قُريظة.
والجلاء مفارقة الوطن؛ يقال: جَلاَ بنفسه جلاءً، وأجلاه غيره إجلاءً.
والفرق بين الجلاء والإخراج وإن كان معناهما في الإبعاد واحدًا من وجهين: أحدهما أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد، والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد.
الثاني أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة، والإخراج يكون لواحد ولجماعة؛ قاله الماورديّ.
قوله تعالى: {ذَلِكَ} أي ذلك الجلاء {بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا الله} أي عادَوه وخالفوا أمره.
{وَمَن يُشَاقِّ الله} قرأ طلحة بن مُصَرِّفَ ومحمد بن السَّمَيْقَع {ومن يشاقق الله} بإظهار التضعيف كالتي في (الأنفال) وأدغم الباقون. اهـ.

.قال الألوسي:

{سَبَّحَ للَّهِ مَا في السماوات وَمَا فِي الأرض وَهُوَ العزيز الحكيم} إلى قوله تعالى: {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} [الحشر: 6]
وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في صدر سورة الحديد، وكرر الموصول هاهنا لزيادة التقرير والتنبيه على استقلال كل من الفريقين بالتسبيح، وقوله تعالى: {هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب مِن ديارهم} بيان لبعض آثار عزته تعالى وأحكام حكمته عز وجل إثر وصفه تعالى بالعزة القاهرة والحكمة الباهرة على الإطلاق، والمراد بالذين كفروا بنو النضير بوزن الأمير وهم قبيلة عظيمة من يهود خيبر كبني قريظة، ويقال للحيين: الكاهنان لأنهما من ولد الكاهن بن هارون كما في (البحر)، ويقال: إنهم نزلوا قريبًا من المدينة في فئة من بني إسرائيل انتظارًا لخروج الرسول صلى الله عليه وسلم فكان من أمرهم ما قصه الله تعالى.
وقيل: إن موسى عليه السلام كان قد أرسلهم إلى قتل العماليق، وقال لهم: لا تستحيوا منهم أحدًا فذهبوا ولم يفعلوا وعصوا موسى عليه السلام فلما رجعوا إلى الشام وجدوه قد مات عليه السلام فقال لهم بنو إسرائيل: أنتم عصاة الله تعالى والله لأدخلتم علينا بلادنا فانصرفوا إلى الحجاز إلى أن كان ما كان، وروي عن الحسن أنهم بنو قريظة وهو وهم كما لا يخفى، والجار الأول: متعلق بمحذوف أي كائنين من أهل الكتاب، والثاني: متعلق بأخرج وصحت إضافة الديار إليهم لأنهم كانوا نزلوا برية لا عمران فيها فبنوا فيها وسكنوا، وضمير {هُوَ} راجع إليه تعالى بعنوان العزة والحكمة إما بناءًا على كمال ظهور اتصافه تعالى بهما مع مساعدة تامة من المقام، أو على جعلن مستعارًا لاسم الإشارة كما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله سَمْعَكُمْ وأبصاركم وَخَتَمَ على قُلُوبِكُمْ مَّنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِهِ} [الأنعام: 46] أي بذلك فكأنه قيل: ذلك المنعوت بالعزة والحكمة الذي أخرج الخ، ففيه إشعار بأن في الإخراج حكمة باهرة، وقوله تعالى: {لِأَوَّلِ الحشر} متعلق بأخرج واللام لام التوقيت كالتي في قولهم: كتبته لعشر خلون، ومآلها إلى معنى في الظرفية، ولذا قالوا هنا أي في أول الحشر لكنهم لم يقولوا: إنها بمعنى في إشارة إلى أنها لم تخرج عن أصل معناها وأنها للاختصاص لأن ما وقع في وقت اختص به دون غيره من الأوقات، وقيل: إنها للتعليل وليس بذاك، ومعنى أول الحشر أن هذا أول حشرهم إلى الشام أي أول ما حشروا وأخرجوا، ونبه بالأولية على أنهم لم يصبهم جلاء قبل ولم يجلهم بختنصر حين أجلى اليهود بناءًا على أنهم لم يكونوا معهم إذ ذاك وإن نقلهم من بلاد الشام إلى أرض العرب كان باختيارهم، أو لم يصبهم ذلك في الإسلام، أو على أنهم أول محشورين من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام، ولا نظر في ذلك إلى مقابلة الأول بالآخر، وبعضهم يعتبرها فمعنى أول الحشر أن هذا أول حشرهم وآخر حشرهم إجلاء عمر رضي الله تعالى عنه إياهم من خيبر إلى الشام، وقيل: آخر حشرهم حشرهم يوم القيامة لأن المحشر يكون بالشام.
وعن عكرمة من شك أن المحشر هاهنا يعني الشام فليقرأ هذه الآية، وكأنه أخذ ذلك من أن المعنى لأول حشرهم إلى الشام فيكون لهم آخر حشر إليه أيضًا ليتم التقابل، وهو يوم القيامة من القبور، ولا يخفى أنه ضعيف الدلالة.
وفي (البحر) عن عكرمة والزهري أنهما قالا: المعنى الأول موضع الحشر وهو الشام، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: «اخرجوا قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر» ولا يخفى ضعف هذا المعنى أيضًا، وقيل: آخر حشرهم أن نارًا تخرج قبل الساعة فتحشرهم كسائر الناس من المشرق إلى المغرب، وعن الحسن أنه أريد حشر القيامة أي هذا أوله والقيام من القبور آخره، وهو كما ترى، وقيل: المعنى أخرجهم من ديارهم لأول جمع حشره النبي صلى الله عليه وسلم أو حشره الله عز وجل لقتالهم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن قبل قصد قتالهم، وفيه من المناسبة لوصف العزة ما لا يخفى، ولذا قيل: إنه الظاهر؛ وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن جمع المسلمين لقتالهم في هذه المرة أيضًا ولذا ركب عليه الصلاة والسلام حمارًا مخطومًا بليف لعدم المبالاة بهم وفيه نظر، وقيل: لأول جمعهم للمقاتلة مع المسلمين لأنهم لم يجتمعوا لها قبل، والحشر إخراج جمع سواء كان من الناس لحرب أو لا، نعم يشترط فيه كون المحشور جمعًا من ذوي الأرواح لا غير، ومشروعية الإجلاء كانت في ابتداء الإسلام، وأما الآن فقد نسخت، ولا يجوز إلا القتل أو السبي أو ضرب الجزية {مَا ظَنَنتُمْ} أيها المسلمون {أَن يَخْرُجُواْ} لشدة بأسهم ومنعتهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعدتهم.